كان لي وطن اسمه العراق

منذ ان فتحت عيناي على الدنيا وعرفت انني اعيش في العراق وانا اسمع ان هذا البلد هو مهد الحضارات وهو البلد الاول الذي اخترع الكتابة وسن اول قانون فيه واخترعت فيه اول عجلة وعاش فيه اغلب الأنبياء والرسل والأوصياء فهو بحق كان مهد للإنسانية والحضارة والتاريخ ولكن ماذا بعد ذلك ؟
المفروض على هكذا بلد وهكذا امة تعيش فيه ان تكون من ارقى وافضل الدول والامم على المستوى الاجتماعي والعمراني والاقتصادي والفكري !
لكن ما نراه اليوم ومنذ سنوات مرت يعيش هذا البلد في ازمة مستمرة ليس على المستوى الاقتصادي او المادي فقط وانما يعيش ازمة فكر ووجود فبعد ان كان يعرف هذا الشعب بالوعي والفهم والإدراك نراه اليوم وقد انحدر الى مستوى لا يمكن السكوت عنه او التغاضي عن ذكره .
وهذا الانحدار في المفاهيم لم يأتي وليد صدفة او اختلقته الظروف القاهرة كما يتوهم البعض حتى يرمي بتبعاته على القدر وسوء الحظ بل هو بفعل مدروس ومخطط كبير وخطير جداً استهدف تدمير البنية الأساسية للفرد العراقي بعدما فهم واستوعب صاحب المخطط أن العراقي اذا سمحت له الظروف وتهيأت له الأسباب فإنه يبدع في كل الميادين وهذا ما تنبه له اعداء العراق (الاستكبار العالمي بقيادة إسرائيل) وبذلوا كل ما يمكنهم من اجل مسخ هذه الصفات من المجتمع العراقي .
فكانت كل تلك الأزمات التي مرت ويمر بها الشعب العراقي هي وليدة مراكز البحوث والدراسات الإسرائيلية والأمريكية والتي من خلالها خرجوا بتلك التوصيات بعد ان ثبّتوا وسّلطوا عملائهم ورجالاتهم ليقوموا بتمرير تلك المخططات .
والمؤسف ان تلك الجهات قد نجحت في مساعيها واستطاعت ان تغير نفوس ابناء هذا البلد وبمساعدة ابنائه او المحسوبين عليه وكأنهم أعانوهم على أنفسهم فلم يعد شيء مما كنا نعرفه من قيم ومبادئ تهم المجتمع بل انعكس الأمر فباتت تلك القيم كحالة شاذة ومنبوذة واستبُدلت بأشياء دخيلة وغريبة بل وأعُيدت القيم والعادات القبلية البدائية وكأنها ايما الجاهلية الاولى .
وبدلاً من ان يهتم الشعب العراقي بمصيره وبما يدور حوله وما آلات إليه أوضاعه المأساوية من انعدام الخدمات والبطالة والفساد المادي والمعنوي والانحلال الأخلاقي وضياع الثروات بيد الساسة وفساد العلماء والقادة وتلاعبهم بمشاعر ومقدرات أبناء هذا البلد حتى صار الفرد العراقي لا يهمه سوى قوت يومه بعد أن ادخلوه في دوامة من ألازمات لم يعد من خلالها يشعر او يميز بين الصالح من الطالح !
ولكن يفترض وفي ظروف كهذه وكما يعبر علماء النفس ان الانسان وكأمر أساسي في حياته العامة له حاجات اساسية يسعى لتلبيتها ضمن سلّم متدرج (كما عبر عنها ماسلوا) في نظريته ، بدأً من الحاجة الى الأمان ومرورا بالحاجة الى المأكل والملبس وانتهاءً بالحاجة الى إثبات الذات وطالما ان تلك الحاجات غير مستقرة وغير متكاملة فيفترض به ان يبذل كل ما بوسعه لإشباعها لا سيما اذا تداخلت تلك القيم مع بعض القيم والمفاهيم ذات المنشأ الديني والعقائدي فيفترض ان يكون ذلك الإنسان اكثر همةً وحرصاً لبلوغ تلك الحاجات اما اذا شعر اي انسان بان تلك الاساسيات مهددة او مسلوبة منه بالقوة فمن الطبيعي ان يدافع كل إنسان عنها بكل ما يملك .
ولكن ما نراه اليوم في المجتمع العراقي امر يبعث على الخيبة والحزن ونحن نراه كل يوم مذلولاً ومقهورا ومسلوب الارادة ومنهوب الخيرات ، ومع ذلك فهو لا يهتم كثيرا بل ولا يعير اي اهمية لما يدور حوله بل اصبح اهتمامه بأشاء هامشية وتافهة اكثر من اهتمامه بمصيره ومصير بلده الجريح فعنده صارت كرة القدم اكثر أهمية من دماء أبناءه التي تسيل كل يوم وهم يتفرجون وصارت الاطلاقات النارية من ضمن طقوسه اليومية فلم يكفي ما نسمعه من انفجارات ومفخخات وقصف حتى يضاف اليها اطلاق العيارات النارية في الاعراس وفي الاحزان وحين يفوز المنتخب وحين يخسر المنتخب !!!!
بل ويطلقون النار على ابناء جلدتهم بمختلف الذرائع بدلاً من ن يوجهوا نيران بنادقهم الى اعدائهم !
أي مجتمع هذا وآي شعب هذا وما الذي جرى له وكيف انحدر هذا الانحدار ؟
هل من الممكن ن نعول على مثل هذا المجتمع للنهوض ؟
ام ان ننسى ان يكون هناك بلد كان اسمه العراق ؟